سارة البريكية
من قمة جبل سمحان الشاهقة، سقط جبل آخر، لم تستطع قوة الجبل الإمساك به؛ لأنه جبل آخر لا يمكن لاستراتيجيات القوى الطبيعية أن تحتمل ثقله، رغم أنه لا يزن في الحقيقة إلا ما يزنه حجم الكائن البشري. هكذا سطَّر خطَّ الرحيل، فكتب لجبل سمحان وغادر مسرعًا باتجاه الجنة؛ فمن جنة الله في الأرض إلى جنة الله في السماء.
أتى البلاد زائرًا كعادته، وضيفًا كريمًا طيبًا يُشار إليه بالبنان. وكل من عرف الشاعر سعود بن معدي الرفيدي القحطاني، عرف عنه بشاشة الوجه، وصفاء السريرة، وطيب المعاملة؛ صاحب خُلق وكرم، رجل طيب معطاء، رحبُ الصدر.
حمل حقيبة السفر باتجاه محافظة ظفار من بلاد الحرمين، تصحبه دعوات محبيه وأهله ووالدته بأن يرجع سالمًا معافى، إلا أن القدر هذه المرَّة كان له كلمة أخرى وحكاية مُسردة التفاصيل. الحقيبة التي تحمل أحلامه وآماله عادت، ولكن دون أن يُوضِّب أمتعتها بحب هذه المرَّة، وبدون اللقطة المعتادة لها. عادت تصحبها آلاف الدعوات بالرحمة والمغفرة، بقلوب حزينة على فقده بتلك الطريقة الموجعة.
سعود كان سعيدًا كاسمه، شاهقًا كالجبل الذي رحل منه، وكانت لصلالة محبة أخرى في قلبه؛ كمثل العُمانيين تمامًا، يعشقون أرض الجنوب عشقًا لا ينتهي. لكننا نؤمن تمامًا أنه شاعر لن يتكرر، ووجه أحبه الناس بصدق، فكان نعم الصديق الوفي لكل من عرفه. لم يتركوه لحظة، سكت صوت سعود، لكن قصائده وحضوره ووجوهه ما زالت تحلِّق في سماء ظفار، حيث الجنة.
من هنا يجب أن تكون هناك قواعد وقرارات صارمة تمنع ممارسة رياضة الهايكنغ في هذه الأماكن الخطيرة من مرتفعات وأودية وسهول، فما بالك بجبال شاهقة في وقت الخريف؟! يجب أن تتدخل الجهات المعنية لمنع ممارسة هذه الرياضة أو حتى ما يشابهها، وأن تكون هذه الأماكن محمية بشكل كبير، من خلال وضع الحواجز المناسبة لكل منطقة مرتفعة وخطيرة. إنها رسالة عامة أوجهها إلى جميع الزوار والقاطنين في البلاد: لا تُعرِّضوا أنفسكم للخطر، فلأنفسكم حق عليكم. لنسهم جميعًا في الحفاظ على سلامة أنفسنا، وعلى البيئة المحيطة، وعلى قلوب المحبين لنا.
ذهب سعود في منطقة يحبها، كما ذهب قبله الشاعر حمد الخروصي في رحلة إلى سويسرا، ولكن الأقدار تختلف، والظروف تتباين. غير أن للشعراء نكهة خاصة في الرحيل؛ فهم يرحلون فجأة، ويُؤلمون كل من يحبهم كقصيدة أخيرة حزينة، كوجه هلاله، وكصدمات الفقد والرحيل المرّ.
رحم الله الشاعر سعود بن معدي القحطاني، وتقبله في الشهداء، ولْيعوِّض شبابه في الجنة، ولْيربط على قلوب أحبته وأناس عاشروه. فرحل من الجنة إلى الجنة، وترك وجعًا وغصَّة لا تنتهي.